الفرق بين الشعب الحي والشعب الميت
نحن شعب بليد الإحساس"جبلٌة"كما يقولون في العامية المصرية..باردا برودة الكتل الجليدية في أعالي البحار المتجمدة..شعب ميت من الآخر..لم تتحرك فينا اية احاسيس او مشاعر عندما رأينا صور المصابين في أحداث المحلة الأخيرة وهم مقيدون بالكلابشات في أسِرة المستشفيات الحديدية وتعلو وجوههم مسحة من الحزن والغضب في آن معا.قد يكون البعض أبدى تحفظه او تذمره او غضبه بدعوى حقوق الإنسان عامة والمرضى بشكل خاص الذين لايملكون من امرهم شيئا وقد تكون حياتهم على شفا الانتهاء بين لحظة واخرى.. ورغم ذلك مكبلون وكأنهم ينتظرون قسرا موعد نحرهم كتلك النعاج والكباش والسوائم التي يحين موعد ذبحها..مع ان هذه الأخيرة مستسلمة لقضاء الله وقد تكون مدركة في قرارة نفسها أن أجلها قد حان وأنها ماضية إليه لامحالة.
وقد تابعت جزءا كبيرا من ردود الفعل على هذه الصور التي نشرتها "البديل" أساسا، وحاولت " المصري اليوم" توظيفها وان كانت الأولى استطاعت الحصول على سبق صحفي اكبر بنشر المزيد من هذه الصور ومعاناة المصابين الجسدية من جراء معالجة جروحهم المادية منها والنفسية من جراء الكلابشات المقيدة ايديهم بها..بيد ان مااستثار هذه الكلمات مني مقال "بلال فضل" يوم 23\4\2008 في الدستور والذي ارسل برسالة وكأنه مصاب شديدة الرقة والاحساس لرئيس الجمهورية وذلك ليطالبه بمجرد ان يفك قيده ليتمكن من "الهرش".
إلى هذا الحد وصلت بنا المأساة.. استعطاف الريس ليسمح للمصابين المقيدين بأن "يهرشوا" ورغم ضآلة المطلب ومحدوديته، إلا انه يحمل العديد والعديد من الدلالات..أقلها أن الناس مات فيها الطموح والرغبة بتحسين الأحوال، وتقتصر آمالهم على مجرد رفع قدر من الظلم عنهم، وليس كله، ولاتتجاوز أقصى أمانيهم سوى تخفيف السوء والأوضاع المزرية التي يعيشون فيه ويحيون.
الدلالة الأهم، واعلم تماما ان الكاتب يسخر سخرية مبكية ولاذعة في الوقت ذاته من الرسالة التي يريد إيصالها لجمهوره وآمل ان يكون الريس فعلا احد هؤلاء القارئين لها، ألا وهي الجبروت الذي بات يحكم القائمين على حفظ الأمن، السياسي بالطبع، واقصد بهم اولئك الذين اصدروا الأوامر بكلبشة المتهمين من ضباط وامناء شرطة ومرشدين وغيرهم ..وكان يكفيهم تشديد الحراسة على العنابر الموجودين فيها المتهمين او على المستشفى كلها حتى.. ولكن الغباء وربما الافترا او الاستسهال والاستهانة بالناس هي السبب في قيامهم بكلبشة مجموعة من الافراد اقصى ما قاموا به هو الاشتراك في تظاهرة او إضراب .. لم يكونوا إرهابيين ولا مجرمين عتاة في الإجرام عشان يتعمل فيهم كدة!
ما الداعي اذا لكلبشة جرحى في سراير المستشفى..مفيش غير ان الامن بكافة مستوياته بداية من النفر الغفير وحتى اكبر راس، باتت تحكمه عقيدة راسخة ألا وهي اضرب بكل قسوة .. اضرب بعنف ولا تدع للغير ان يتسرب اليه اعتقاد بأن الحكومة يمكن ان تسكت على شيء لا ترضاه.. الخلاصة: اضرب المربوط يخاف السايب.
وللتأكد من هذا المعنى اسأل نفسك اولا وايضا من حولك وقل لهم: هل ترغب في المشاركة في أي فعل او عمل يمكن ان ينالك منه مثل ما نال هؤلاء المكبلين في الأسِرة البيضاء؟
اظن ان الإجابة واضحة..لا يا عم ..انا ما استحملش.. وهي دي مشكلتنا: ازاي نقدر نضحي ونستغنى عن بعض الاشياء في مقابل اشياء اكبر..هل ده ممكن.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق